اضطراب الوسواس القهري
هذا النوع من العصاب يتصف بوساوس عبارة عن أفكار ونزعات قسرية, وصور ذهنية
متكررة ومتواصلة تقتحم ذهن المريض باستمرار فارضةً نفسها عليه بإلحاح دون
أي رغبة منه ومحاولته مقاومتها أو السيطرة عليها. بل هو يعتبرها دخيلة،
سخيفة، ساذجة، شاذة، مرعبة أو كريهة. وقد تسبب له آلاما نفسية شديدة
بالإضافة إلى حالة من التوتر والقلق والانزعاج وتؤثر سلباً على حياته
المهنية والأسرية والاجتماعية.
هذه الوساوس قد تكون مصاحبة بدافعية أو رغبة قوية في القيام بسلوك أو طقوس
حركية أو ذهنية معينة في محاولة من المريض لإبطال أو لتخفيف المعاناة.
قد تكون هذه الوساوس عبارة عن أفكار تدور غالباً حول التلوث والتشكك
والجنس والدين. فمثلاً هاجس التلوث بالقاذورات أو التعرض للجراثيم والأمراض
يدفع المريض لكي يبالغ في الاغتسال أو تنظيف الملابس أو أوعية الطعام
والشراب. أو الامتناع عن مصافحة الآخرين أو استعمال آنيتهم أو مشاركتهم
طعامهم أو شرابهم. ويتجنب زيارة المستشفيات أو المرضى خوفاً من التعرض
للعدوى.
أما أفكار التشكك فيدفع المريض للتكرار والمراجعة والتدقيق مرات مع التردد،
مثلاً إعادة التدقيق عند القيام بعمليات حسابية أو التأكد من أحكام
الأقفال في المنزل أو أزرار الكهرباء والغاز. وكذلك تكرار عمليات الغسل
والنظافة والوضوء والصلاة وترتيب وتنظيم الأغراض مما يكون سبباً في التأخير
وإضاعة الوقت.
أما االأفكار الجنسية فهي وساوس تدور حول أفكار أو مشاعر ذات طبيعة جنسية
تثير قلقه أو اشمئزازه باستمرار. وقد تكون الأفكار القهرية ذات طابع ديني
تشكك في إيمانه. وتكون محتوياتها إما ساذجة أو سخيفة أو كريهة أو متشككة
تتعارض مع قيم المريض وأخلاقياته. ومن أكثر الأفكار ذات الطابع الديني
المؤلمة هي التي تتعلق بالذات الإلهية.
أرجو هنا أن أذكر أن بعض المرضى قد يصفون هذه الأفكار القسرية بالأصوات وقد
يرجع الطبيب هذه الأصوات لمرض عقلي خطأ ويؤدي ذلك لإلتباس في التشخيص.
والمهم أن المريض غالباً ما يؤكد أن هذه الأصوات نابعة من عقله وذات طبيعة
قسرية ومكررة وتدور حول محتوي معين وهو بالتالي لا يرغب فيها، ويعتبرها
سخيفة وغير منطقية ومبالغ فيها. والبعض قد يعتقد خطأ أنها وسوسة من الشيطان
أو لضعف في الإيمان فيسعى إلي المطوع لكفّ هذا الشيطان عنه..
اأما النزعات فتكون في شكل دافع أو رغبة عارمة يالقيام بفعل ذي طابع
عدواني، مثلاً الاعتداء البدني أو الجنسي على أحد، كالأم التي تخفي أو تبعد
أي أداة حادة عن متناول يدها خوفا من إيذاء طفلها، أو ذلك القريب الذي
يتجنب مداعبة أطفال الأسرة أو الانفراد بهم خوفا من أن يقوم بعمل شائن غير
أخلاقي معهم. ولكن في الحقيقة احتمال حدوث ذلك ضئيلاً جداً نسبة لأن المريض
يمتلك كامل السيطرة على نفسه.
الصور الذهنية التي تقتحم الخيال باستمرار، تكون هي كذلك ذات محتوى عدواني
أو جنسي ، مثلاً المريض الذي يتخيل نفسه أو غيره في أوضاع جنسية مختلفة
تبعث في نفسه الاشمئزاز والتقزز. وقد تقتحم هذه الصور الذهنية مخيلة الشخص
حتى أثناء صلاته. وقد يتخيل المريض في ذهنه أن أحد أفراد الأسرة قد تعرض
لحادث مخيف يبعث فيه الرعب. ولذلك تجد المرضى من النوع الأخير يقلقون
كثيراً في غياب أو تأخر أحد أفراد الأسرة كالزوج أو الابن تحسباً من حدوث
ذلك المكروه فعلاً.
وقد تكون هذه الوساوس مصاحبة بسلوك أو طقوس حركية أو فكرية مكررة يقوم
بها بعض المرضى. الطقوس الفكرية قد تكون فى شكل عمليات عقلية قسرية، مثلاً
ترديد ذهنياً بعض الأرقام أو العمليات الحسابية أو بعض الكلمات أو العبارات
سراً، وقد يحدث أن يتفوه المريض بها بصوت عال بالرغم عنه مما يسبب له بعض
الحرج. أما الطقوس أو الأفعال الحركية فقد تكون فى شكل غسيل يدين أو
أستحمام أو ترتيب أو تنظيم أو أعادة التأكد مكرر بلا نهاية.
هذه الوساوس والأفعال القهرية تسبب آلاما نفسية شديدة للمريض وتزيد من
شعوره بالتوتر والقلق وتؤثر سلباً على أدائه المهني والأسري والاجتماعي
وعلاقاته بالآخرين. والمريض يدرك تماما أنها ثمرة أو نتاج عقله وليست
مفروضة عليه من الخارج ويحاول المقاومة في البداية، إلا أنه في النهاية
يمتثل للأمر الواقع ويحاول التكيف مع مرضه. وبالرغم من معاناته قلّما يتقدم
المريض تلقائيا للعلاج، بل نجد أن أفراد الأسرة الذين يضيقون ذرعاً به
وبسلوكياته، يضغطون عليه في النهاية لمراجعة الطبيب. ولكن قلّما يمتثل
المريض للعلاج أو يتقيد بالتعليمات لعوامل الشك والتردد لديه.
في بعض الأحيان قد لا يعتقد المريض أن ما يقوم به من طقوس وعمليات قسرية،
مبالغ فيه أو شاذ وغير مقبول للآخرين. وهم ما نعتبرهم فاقدون للبصيرة لما
يقومون به. مثال: أن زوج أحضر زوجته للعلاج دون رغبة منها وكاد أن يبكي
وهو يعدد لي معاناته مع الأطفال من مبالغة زوجته في النظافة وحرمان الأطفال
من مصادقة قرنائهم أو الخروج للعب معهم. فالأسرة صارت حبيسة المنزل قلّما
يزورهم أحد أو تقوم الأسرة بزيارة الآخرين. أما الزوجة فقد ادّعت تهويل
زوجها للأمور، وحاولت تبرير ما تقوم به، والتقليل من شأنه مدعية أنها زوجة
مخلصة لزوجها وأطفالها، تحب النظافة وتحاول حماية أسرتها من الأخطار
والأمراض المنتشرة، ولا ترى سبباً يبرر تذمر وتضجر زوجها.
هذا المثل يوضح كيف استطاعت هذه الزوجة باللجوء إلى آليات الدفاع النفسية
من نكران وتبرير إلى التكيف مع مرضها ونكران أو كبح ما يسببه لها ولأسرتها
من معاناة.
كثير من المرضى يستطيعون تحمل وإخفاء مرضهم خارج نطاق الأسرة لفترة طويلة.
مثلاً أنهم يتجنبون مصافحة الآخرين بوضع أيديهم في جيوبهم أو أشغال يدهم
اليمني بحمل شيء ما. ويمتنعون عن الأكل والشرب لدي الآخرين مستعملين كافة
الحجج. ويحدون كثيرا من علاقاتهم الاجتماعية لتفادي التعرض لما يضطرون
لتجنبه.
نسبة الإصابة بهذا المرض متساوية بين النساء والرجال. وليس المريض فقط هو
الذي يعاني، بل أفراد أسرته كذلك. وفي بعض الأحيان يعتقد المريض أن الأسرة
تزيد من معاناته باعتراض طقوسه أو تلويث أغراضه الشخصية أو بمداومة انتقاد
تصرفاته. ولذلك يفضل بعض الذكور السكن منفردين أو الزواج من من يعتقد أنها
ستتكيف مع حالته وتلبي كل احتياجاته وتصون أسراره أومن يعتقد أن لها نفس
الصفات.
اضطراب الشخصية الوسواسي/ القهري
لا بد أن أتطرّق هنا لاضطراب الشخصية الوسواسي - القهري أو الجبري لأنه
كثيراً ما يكون هنالك خلط بين هذا الاضطراب وبين اضطراب الوسواس القهري أو
الجبري الذي سبق وان تحدثت عنه أعلاه.
هذا الاضطراب هو اضطراب في الشخصية حيث أن المصاب يتصف بسمات في شخصيته
تتصف بالصلابة والتزمت تجعله ينزع إلى تفكير وسلوك نمطي غير متوائم
اجتماعياً يسبب للشخص كرباً وهماً وقلقاً مستمراً وتعيق حياته الاجتماعية
والأسرية والمهنية. وقد تهيأ هذه الشخصية صاحبها لأن يصاب باضطراب الوسواس
القهري بنسبة 30%مستقبلاً.
من صفات هذه الشخصية المضطربة:
1- الإفراط في الاهتمام بالتفاصيل والنظم والقواعد.
2- النزوع للدقة والإتقان والكمال مما يتسبب في البطء في الإنجاز .
3- تكريس كل الوقت للعمل الجاد مع إهمال الأنشطة الاجتماعية والترويحية.
4- الإكثار من محاسبة أو لوم الذات لأي خطأ أو تقصير ولو غير متعمد.
5- عدم المرونة والتصلب في الرأي مع العناد.
6_ النزوع للتوتر والقلق والهموم.
7- صعوبة إبداء العواطف ويبدون متحجرين عاطفيا.
8- الميل للادخار والشح في الأنفاق والاحتفاظ بالمقتنيات ولو لم تعد ذات قيمة بالنسبة للآخرين.