داء العجلة.. وباء يكتسح الجميع
لوثر سايفرت
ترجمة: د.محمد إسكيف
لقد باتت هذه الظاهرة المسماة داء العجلة منتشرة على نطاق واسع في مختلف أرجاء العالم.
وقد كان لاري دوسي أول من اهتم بتشخيص ذلك الداء وتوصيف أعراضه ومعالمه وذلك في كتابه الذي حمل العنوان :"الزمان والمكان والطب".
يكمن العامل المسبب لداء العجلة في الاعتقاد الخاطىء بأن إنجاز المهام كلها بشكل أسرع يقودنا الى تحقيق كل ما نصبوا اليه.
ان الالمان يعتقدون أن عليهم أن يسعوا على الدوام الى تسريع أدائهم
والارتقاء به أكثر فأكثر على سلم الكمال نظرة سريعة الى الساعة أو الى
المفكرة التي تتلاطم فيها المواعيد,ثم يهرع واحدنا كالملسوع يتملكه القلق
والخوف من التقصير في هذه المهمة أو التأخر عن ذاك الموعد.
وما الارتفاع المطرد الذي تسجله الأمراض المرتبطة مباشرة بالتوتر المرافق
لضغوط العمل المتزايدة,كالأزمات القلبية والقرحات المعدية والتوتر العصبي
بمختلف درجاته,إلا بعض من نتائج ذلك الاعتقاد الخاطىء.
والمحزن أننا لم نعد نحمي أنفسنا حتى في أوقات فراغنا من الانسياق وراء
عجلة العمل المتسارعة,ولم نعد نجد حتى بعد انتهاء ساعات العمل اليومية أو
في عطلة نهاية الاسبوع الوقت الكافي للاسترخاء أو اللعب أو الاستمتاع بشيء
من طيب العيش.
"كلما رفعت وتيرة العمل أكثر ترتفع معها درجة التقصير الذي يلاحقني !" هل
ينتابك – أنت أيضاً – ذلك الشعور المفعم بالإحباط؟ تبكر في الذهاب الى
عملك,يدفعك الى ذلك تصميمك على وضع حد للتقصير وإنجاز كل ما هو متراكم من
أعمال,وما أن تبدأ يومك حتى ينهال عليك سيل من المشكلات الطارئة والأزمات
المحتملة والمشاريع الجديدة,ثم تصل الى نهاية يومك وقد بلغت أبعد حدود
الإرهاق,لكنك لم تتمكن من حذف أي من بنود قائمة الأعمال المتراكمة الجاسمة
على صدرك,بل على العكس من ذلك لقد طالت القائمة وازداد عدد بنودها!
مؤكد أنك لست وحيداً في تجربتك هذه,كثيرون هم الأشخاص الذين يعانون من وطأة
إيقاع العمل المتسارع الذي تفرصه عليهم الظروف,وذلك الضغط الذي يدفع
بواحدنا في اتجاه إنجاز المزيد من الأعمال في زمن أقصر وبإمكانيات أكثر
تواضعاً وعدد محدود من العاملين ,إنه يكبر ويكبر!
لكن من الخطأ اختزال داء العجلة في شعور المرء بأن عليه أن يسرع باستمرار
من وتيرة عمله وبأنه عاجز عن الخروج من دوامة الواجبات والالتزامات
اليومية.
إن الدوران الدائم في دوامة تسيير الأزمات يأتي بالدرجة الأولى على حساب
الإيقاع الذاتي الذي يتحدد بحالة المرء الجسمية والنفسية والروحية ولايتأثر
مطلقاً بضغط العمل,
وهذا الإيقاع الذاتي يلعب دوراً حاسماً في بناء سعادة المرء أو تعاسته.
إننا إذا ما تجاهلنا إيقاعنا الذاتي ولم نصغ الى مايقوله لنا جسدنا لن
نتمكن على المدى البعيد من إنجاز مهامنا وأعمالنا بالشكل المطلوب,وقد نجد
أنفسنا يوماً عاجزين تماماً حتى عن متابعة الجري في دوامة الالتزامات
والواجبات.
قد قيل نجم الصبح يدعى طارقا ** ولكل مرء من مسماه نصيب
هذه الجموع الغر في لهف الى ** لقيا العلا ولأجله هبت تجيب
والعلم والابداع والفكر الذي ** داويت مهجته وكنت له الطبيب
جاؤوا ووفد الشوق أقبل ركبه ** لتحل ضيف في الحنايا والقلوب
يامن حكيت الصبح في اشراقه ** ظلمات جهل سوف ترحل عن قريب